أجلس وحيدا
أحيانا أجلس وحيدا
مختارا أو مضطرا
الأمران سواء
أغيب في تأملاتي و ذكرياتي
و أغرق في أفكاري و صراعاتي
أتذكر حين كنا صغارا نلهو
نجري نضحك
لا ندرك
و لا نبالي لما يحدث حولنا من مسائل الكبار
هناك من يحمل عنا كل الهموم
من يدبر لنا كل المسائل
كم حملت عنا يا أبي
كم أشتاق اليك
كم اشتاق لحكاياتك
منذ صغري كان يحدثني كصديق
و كان يعلمني أن أكون كبيرا
حكي لي عن طفولته اليتيمة
كيف بدأ يعمل و عمره 7سنوات
حكي لي كيف اعتمد علي نفسه
من أعانه .. من تخلي عنه
و من أعطاه ظهره من أقرب الناس
كان يعلمني أن أكون كبيرا
سمعت منه تاريخ بلادي كله قبل أن أقرأه
شارك في الحرب ضد العدوان الثلاثي
شاهدت صوره بلبس المقاومة الشعبية
حكي لي عن تدريبه في معسكرات الاخوان
و عن حزب الوفد و مصطفي النحاس
حكي لي عن عبد الناصر و عبد الحكيم عامر
و السادات و الشاذلي
حكي لي عن الملك و حرب فلسطين و الأسلحة الفسدة و كفاح الاخوان في 48
و الضبط الأحرار في 52 ... مرارة النكسة في 67 و حلاوة انتصار 73
حكي لي عن معركة رأس العش .. و اغتيال الطفولة في مدرسة بحر البقر
حكي لي عن معتقلات مراكز القوة .. و الاتحاد الاشتراكي و ثورة التصحيح
حكي لي عن الطفل البطل نبيل منصور
و عن الشهيد عبد المنعم رياض و محمد بدوي
و عن مصطفي مشرفة و سميرة موسي و السيد بدير
حكي لي عن الريحاني و أنور وجدي واسماعيل ياسين
و الضظوي و أبو حباجة و مسعد نور
حكي لي عن اللصوص الذين ارتدوا رداء الوطنية و ضحكوا علي الناس
فهذا الشهيد الذي صنعوا له تمثالا كان لصا يسرق من معسكرات الانجليز
و ذلك المناضل كان يتاجر بالمخدرات
و ذاك استولي علي أراضي البلد
و هذا وذاك و هذا و ذاك
فأصبحت المظاهر لا تخدعني
كان يعلمني أن أكون كبيرا
ذهبنا سويا لاستاد بورسعيد لمشاهدة النادي المصري
و هتفنا معا مصري مصري
ذهبنا لمشاهدة فيلم مولد يا دنيا لعبد المنعم مدبولي
و شاهدنا الحصان و هو يرقص
ذهبنا الي السيرك و التقطنا الصور مع الاسود
ذهبنا لمعرض الغنائم و التقطنا صورا مع دبابات العدو المحطمة
ذهبنا لحديقة الحيوان بالجيزة و شاهدنا الزرافة و سيد قشطة
ذهبنا الي البحر و لعبنا في المياه
و لعبنا بأوراق الكوتشينة و الطاولة
كنا نتناوب قراءة الجريدة سويا
و يشير علي أن أقرأ مقالة وجيه أبو ذكري
و أحمد رجب
و بعدها يناقشني
كان أبي و صديقي
كان يعلمني أن أكون كبيرا
كان يكلفني بشراء احتياجات المنزل
كان يكلفني بالعناية بمتجره .. بالبيع .. الشراء
كان يحملني مئات الجنيهات لتسليمها للتجار قبل سن العاشرة
كان يتناول غذاؤه في المحل و كنت أشاركه
كنا نفطر سويا في رمضان علي الآذان بصوت الشيخ محمد رفعت و تواشيح الشيخ النقشبندي
علمني الصبر علي الشدائد و الصعاب
كم من خسائر تكبدها و لم يهتز
كم من كبوة و لم ييأس
لماذا عمل بحارا أثناء النكسة
و لماذا لم يعمل بتهريب البضائع من بورسعيد مع المنطقة الحرة
لماذا كان كبار التجار يرسلون له بضائع بعشرات الآلاف دون ضمان
كان يعلمني كيف أكون كبيرا
علمني كيف يصبر علي ثورة أمي و غضبها
علمني كيف أكون رحيما
علمني كيف أكون حنونا
علمني الحزم
في صغري كان يعاقبني ضربا بالحزام ....في الهواء
ما مس حزامه جسدي قط
و حين كبرت كان عقابه ...... نظرة
ماسألني يوما ان كنت ذاكرت أم لا
كان فقط يسألني ان كنت بحاجة لشيء أم لا
كان يعلمني أن أكون كبيرا
لكني حينما كبرت
اعجبني عقلي
و أعجبني تفكيري
و رأيي
و نسيت من علمني أن أكون كبيرا
لم أستعن برأيه في مشاكلي
لم يهديني عقلي
أن لديه حكمة السنين
فأيقنت أني لا يمكني أن أكون مثله .. فما لديه كثير
فعذرا أبي كلما حاولت
لم أستطع ان اكون مثلك كبيرا
كم افتقد صداقته
كم أفتقد حكاياته و أرائه
كم افتقده و أفتقد حنانه
نادم لبعدي عنه .. ملعونة الغربة
حتي اذا لم تكن ثريا
أو مسئولا كبيرا
لو لم تجيد السباحة أو ركوب الخيل
أو تشترك في الحرب
يكفيني أنك كنت دوما ..
لي القدوة و الفخر
و ستبقي دوما
في نظري كبيرا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق