السبت، 14 أبريل 2012

عشرة أيام

عشرة أيام
عشرة أيام فقط
هي ما تبقت علي الرحيل
كيف؟
لا أعلم
الي أين؟
لا أعلم
لماذا؟
لا أعلم

كل ما أعرفه أن علي الرحيل
أمامي عشرة أيام لأجمع كل أغراضي و ...
و أرحل بلا عودة الي هذا المكان

كيف لي أن أترك كل حياتي في لحظة
بيتي
عملي
ذكريات طفولتي و أحلام الصبا
رفاق العمر
بعد أن تخطيت منتصف الثلاثين
هل أستطيع أن أرحل الي مكان جديد
ابحث عن عمل جديد
أصدقاء جدد

زوجتي و أبنائي ما ذنبهم
هل يأتون معي الي عالمي الجديد المجهول
أم يتركونني أذهب وحدي أواجه حياتي الجديدة بلا شريك أو ونيس

عشرة أيام فقط
هكذا أخبروني
في الصباح الباكر حينما استدعوني لمقابلة المدير العام
المدير العام مرة واحدة
لماذا؟

ذهبت و الفضول و القلق ملء القلب و العقل
لم أخبر الا سامي صديقي بهذا الاستدعاء

قالها بكلمات مختصرة
جافة
أستاذ هاني
نأسف لاستدعائك بهذه الطريقة العاجلة
عليك تقديم استقالتك اليوم حتي نستطيع أن ندبر لك مستحقاتك المالية
قبل أن تغادر البلاد في خلال عشرة أيام

كانت علامات الدهشة و الصدمة تغطي وجهي بالطبع
عشرات الأسئلة تدور في رأسي في وقت واحد
لماذا و كيف
و عشرة أيام

استجمعت بعض قواي
أردت أن أوجه سؤالا واحدا للمسئول الكبير
لكن
لكن المدير نظر الي
 نظره فهمتها جيدا

لا مجال للأسئلة في هذه الظروف
نعم 
أنا محظوظ
خير لي أن أرحل بهذه الطريقة
هناك الكثير من الطرق للترحيل لا داعي لذكرها

خرجت من مكتب المدير
و نفس الأسئلة تدور و تدور في عقلي

الآن فقط فهمت لماذا كان سامي يرجوني ألا أتحدث في أمور الخاصة الي العامة
ما كان يجب أن أتحدث عن السياسة في بلد ليست بلدي

لكنها بلدي
لقد ولدت هنا وكبرت و عملت و تزوجت و أنجبت
والداي هنا و اخوتي هنا
فرحت لفرحهم و حزنت لحزنهم
لم أكن أعي أن هناك فرق بيني و بينهم الا حينما تخرجت
و وجدتني أقاتل للحصول علي وظيفة
وبعد ذلك وجدتني أحصل علي نصف راتب زميلي
فهمت أن هناك فرق

لكني اليوم تيقنت
انظر الي جواز سفرك يا ...
لا تملك حتي جواز سفر
كل ما تملكه هو وثيقة سفر لبلد جار
لأنك حقيقة بلا وطن
بلا وطن
هكذا حدثتني نفسي

لماذا هاجر والدي الي هنا
ماذا لو هاجر بنا الي أمريكا أو أي بلد أوروبي
أما كنا الآن نحمل جنسيات أخري
والدي عاش هنا قرابة الخمسين عاما
و مع ذلك ليس له أي حقوق
غدا يتم ترحيله مثلي لأنه قد قارب السبعين
و لن يجد أي عمل يعطيه اقامة

علي أن أدخر وقتي و مجهودي و تفكيري في كيفية تدبر أموري في عشرة أيام

مرت الأيام العشرة كالبرق لم أستطع أن أنهي أي شيء
حمدا لله لا يزال لدي أهل هنا و بعض الأصدقاء يمكنهم انهاء تلك المتعلقات

لي بعض المعارف و الأصدقاء في أحد البلدان العربية
لكن و ثيقتي لا تسمح لدي بدخول ذلك البلد
اضطررت لدفع الكثير من الرشاوي لكي أعبر الي تلك البلد عبر الحدود مع البلد الذي أنعم علي بوثيقة السفر
و أخيرا وصلت الي مستقري الغير آمن بطبيعة الحال
شهور و شهور مرت و اقامتي غير قانونية
أصبحت مطاردا دون أي ذنب اقترفته
غير أنني بلا وطن

ماذا أفعل وطني مسروق
ليتني أعود و أموت علي أعتابه
و لكن لا أستطيع حتي الاقتراب منه
فوثيقتي تحظر دخولي الي وطني

لماذا لم يستطع اخواني احتوائي و طاردوني في بلادهم
و كان سهلا عليهم طردي بتلك الطريقة

في ذلك المقهي المتواضع
جلست في أحد الأركان

أمسكت أحد الصحف
وجدت اعلانا
وجدتني أحدق بشدة في الاعلان

قلت لنفسي العبارة الشهيرة
وجدتها
وجدتها

حملت حقائبي مرة أخري
و سافرت كما في الاعلان

بضع شهور
و عدت بعدها
دخلت ذات البلد الذي طردني

لم أكن أنوي البقاء
فقط أردت أن أنهي متعلقاتي
و أري أصدقائي و بيتي لآخر مرة في حياتي
ثم أرحل بزوجتي و أولادي

عاملوني بكل الاحترام و الترحاب

كل ذلك لأني
لم أكن أحمل تلك الوثيقة التي تجعلني موطن شبهه أينما ذهب
استطعت أن أؤمن مستقبلي و مسقبل أولادي

أصبحت سنيور هانيوس
 أحمل جواز سفر
من باربادوس
.
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق