كفي
اما نحن أو هو في هذا البلد
سئمنا
تعبنا
أعيتنا الحيل
أناو رفاقي .. و أخي صالح
تجمعنا
يجب أن يرحل
ليس هناك مجال لبقائه بعد اليوم
يا نعيش بكرامة فيها
يا نموت فيها
خرجنا الي المظاهرة
ارحل يعني امشي ..يلي مابتفهمشي
هتفنا بقوة
غضب العسكر منا
انهالوا علينا ضربا بالعصي
يضربون بقسوة غريبة
لماذا
أليسوا مثلنا
من دمنا
بهم ما بنا
ألم شديد جدا في كل جسدي من كثرة الضرب
أخي صالح نال نصيبه أيضا
عادة ما كنا نناديه بالعمل الصالح لطيبته و اخلاصه
حملنا الرفاق و ركضوا الي أقرب نقطة طبية
بعد أن سالت دمائنا بغزارة
لم يضربني أحد من قبل .. حتي أبي لم يضربني
لم يسبني أحد من قبل
كنت شابا مهذبا
مطيع دائما
و مع ذلك لم أشعر يوما بكرامتي
كنت أشعر بأني مهان في بلدي
الآن و بعد هذا الضرب المبرح
أشعر بسعادة غريبة
مع كل لمسة من الطبيب لجراحي
أشعر بألم شديد
لكن هذا الألم يشعرني بأني
لدي كرامة
نعم لدي كرامة
و سأقاوم من أجلها
غريب أن تكون سعيدا مرتاح البال و أنت بكل تلك الاصابات
أعطوني جرعة دواء لم أشعر بأي شيء بعدها
لم أعرف كم مر من الوقت و أنا نائم
أفقت
لم يكن هناك سوي أحمد رفيقي في الاصابة يرقد بجواري
يبدو أن اصابته أكبر من اصابتي
كل رأسه مغطي
حتي عينيه
أصيبت عيناه
و أخي صالح بابتسامته المعهودة
نظرت اليه بضماداته
ثم نظرت الي نفسي
و ضحكنا من كثرة الألم
تركني صالح بعد أن اطمئن علي و ذهب الي الميدان
لم أستطيع البقاء
تحاملت علي نفسي
و علي قسوة الألم
هربت من المشفي
ركضت
عدت لرفاقي
أهتف معهم
عيش حرية كرامة انسانية
يا بلادي يا بلادي أنا بحبك يا بلادي
بضع ساعات كانت هي الدنيا و ما فيها
هذا ما شعرت به و أنا - و لأول مرة في عمري - أقول لا
لا للظلم
لا للقهر
بضع ساعات و ضجر منا العسكر مرة أخري
و غضبوا
جدا
انهالوا علينا ضربا بكل ما لديهم
أحاطني العمل الصالح بذراعيه ليقيني بعض الضربات
شعرت بوخذة خفيفة في صدري
وضعت يدي مكان الوخذة أحكها
أحسست سائلا دافئا ينساب
و شعرت بخدر لطيف جدا في رأسي
أحسست بأني أغفو اغفائة جميلة
لا أعرف كيف تبدل الشعور بالغضب
و الصياح و الهتاف
الي هدووووووووء و طمأنينة
بل و سعادة
لا أعرف لماذا ارتسمت البسمة علي وجهي
و أنا أغفو
لماذا أصبح الجو مرحا فجأة
صحيح أننا كنا نمزح منذ قليل
لكن المظاهرة اشتدت
و العسكر غضبوا جدا من هتافتنا
حتي اذا غضبوا منا
حتي اذا لم يفهمونا
لماذ كل هذا العنف في كل مرة؟
لا تزال آثار الضرب الذي نلته بالأمس تؤلمني
غريبة
الألم اختفي
ما عدت أشعر به
سبحان الله
رائحة طيبة تهب علي الميدان
و نسمات حانية تخفف عنا العناء
يبدو أن أحدا يطرق الباب
أفقت من غفوتي
ما هذه الحديقة الرائعة
كيف جئت الي هنا و متي
من بالباب؟
جاءه صوت رخيم
جميل
هادئ
ألا تعرفني
أنا صالح
هيا استيقظ
رسول الله (صلي الله عليه و سلم) في انتظارنا
ليصافحنا في موكب الشهداء