الجمعة، 31 أغسطس 2012

العودة

خمسة و عشرون عاما
ربع قرن من الزمان
و من عمره
قضاها غريبا

سائحا في بلاد الله
باحثا عن لقمة العيش كما يدعي
أو عن المال و الرفاهية كما يدعون
لكنه قرر أخيرا
قررالعودة

لا لم يقرر
لم يكن أمامه اختيار آخر
بعد حفلة كبيرة بمناسبة بلوغه السن القانوني للتقاعد
نال مكافأة جيدة لانتهاء الخدمة
و أخيرا عاد

يا الله
أخيرا عدت لوطني الحبيب
أبنائي الأحباء أخيرا سأعيش بينهم
و ألعب يوميا مع حفيدي الصغير
زوجتي الجميلة المخلصة سمر
شريكة رحلة الكفاح
الآن دبت في الروح

نعم 
الآن فقط أستطيع أن أشعر بالحياة

منذ خمسة عشر عاما عادت زوجتي الي مصر
غادرت بصحبة لبني ابنتي الكبري لدخول الجامعة
و عاد معها أحمد و هو في المرحلة الاعدادية
و رزقنا الله فيما بعد ب محمد و أخيرا سلمي
كنت حريصا أن أكون بينهم كل بضع أشهر
مرتين أو ثلاث مرات سنويا
صحيح أن مجمل أيام الأجازة لا يتغير
و لكن هذا أفضل بكثير من الانقطاع عنهم عام كامل

الحمد لله علي كل شيء
أستطيع الآن أن أري ثمرة تعبي في هذه الحياة

تزوجت لبني في حفل راق و رزقت بحفيدي الأول
ابنتي الكبري و أقربهم لقلبي تسمي ابنها سامي 
مثلي
كانت تتصل بي يوميا للاطمئنان  علي صحتي
تخرج أحمد من كلية الهندسة
أما أحمد و سلمي فهما لا يزالان في دراستهما الجامعية
هذان اللئيمان لم يتصلا يوما الا من أجل المال
لا يهم
غدا حينما أغمرهم بحناني سيختلف الأمر

لدي سيارة جميلة حديثة
و أسكن في شقة راقية
و زوجتي لا تزال تتمتع بجمالها
كأنني أراها في شبابها
بل تبدو أكثر أناقة 
بفضل الملابس الشيك من أرقي المحلات
و الماس و المجوهرات التي تطوق أصابعها و رسغيها و رقبتها
حتي أرجلها
جميل هذا الخلخال الذهبي
اشتريته لها منذ عشر أعوام في احدي أجازاتي
أما هذا البروش الألماظ الذي يزين صدرها
فكان هدية عيد زواجنا الماضي

أتذكر رفاقي أصدقاء العمر
أسامة و ياسر و حسن و محسن و أحمد
أين هم الآن لم أحدثهم منذ زمن
أمسكت بهاتفي
أريد أن أري أصدقائي القدامي
غريب لا أحد يرد .. ربما غيروا أرقام هواتفهم
ربما انتقلوا مساكن أخري
حتي المقهي لا أجدهم
أين اختفوا جميعا
لا يهم الآن
سأبحث عنهم لاحقا

علي الآن أن أتمتع بوجودي وسط أسرتي
لابد أنهم سعداء ايضا بعودتي
كم كانت أحضانهم دافئة حينما قابلتهم يوم عودتي
و كم كانت فرحتهم طاغية حينما علموا ببقائي بينهم


أجلس في التراس عصرا
أستنشق هواء النيل العليل
و أغمض عيني و أحمد ربي علي كل هذا العطاء

بابا
يأتيني صوت محمد مناديا
أريد ألف جنيه لبعض المراجع و الكتب
بابا
يأتيني صوت سلمي
 أريد ثلاث آلاف لابد أن أحجز دورات دراسية للعام الجديد
أعطيهم ما يطلبون بسعادة
لم لا و هم حريصون علي مستقبلهم

سامي حبيبي .. هكذا تناديني زوجتي رائعة الجمال سمر
حسابي في البنك أصبح صفر لو سمحت حول لي خمسين ألف

و لماذا تريدين كل هذا المبلغ
ترد بتعجب .. كي أصرف منه
مثلما كنا نفعل .. أنسيت ؟؟؟

هذا حينما كنت بعيدا عنك حبيبتي
أما الآن فأنا معك بجانبك حتي يفرقنا الموت
و سألبي كل طلباتك بنفسي

أتعني أنني كلما احتجت شيئا لابد أن أطلبه ؟
ألا أستطيع التصرف بمفردي دون الرجوع اليك ؟

ساد الموقف سكون غريب لم يحدث من قبل
فقد اعتادت أن يكون حسابها عامرا تنفق كيفما تشاء
دون حسيب أو رقيب

تقبلت رغما عنها
علي مضض طلبت بضع آلاف كمصروف شخصي

بابا لدي عيد ميلاد و أريد شراء هدية .. ألف
أريد ملابس جديدة .. ثلاث آلاف
هناك رحلة .. ألفان
اي فون ... أربع آلاف

أصبحت هذه هي اللغة السائدة بالمنزل
بيني و بين أبنائي و زوجتي
لم أنزعج بطلباتهم المادية
فقد وهبني الله كثيرا 
و الآن أتمتع بانفاق هذه الأموال علي من أحب

شهر كامل لم أري حفيدي سامي
أين تلك اللئيمة ؟؟ لماذا تحرمني من حفيدي ؟؟
اعتذرت لبني بانشغالها و زوجها
نعم صعبة هي الحياة
غدا أزورهم أنا
كانت زيارتي قصيرة جدا بسبب اضطرارهم للخروج
و للأمانة فقد فاجأتهم بزيارتي
حمدا لله أنني لم أصل بعد خروجهم

لكني سعيد جدا برؤية الصغير سامي
لماذا لا أتنزه علي كورنيش نيلنا الجميل
اتأمل أضواء القاهرة الساهرة الساحرة

قررت الاتصال بحبييتي سمر لاكمال سهرتي معها
لعلها انتهت من زيارتها لصديقتها
لا مفر من أداء الواجب
لقد أصبحت صديقتها جدة لأول مرة و وجب تهنئتها

رن جرس الموبايل طويلا طويلا
مرات و مرات قبل أن ترد و تتعجب لاتصالي بها
أخبرتها برغبتي في أن تشاركني هذه الأمسية الجميلة في أي مكان تختاره بنفسها
اعتذرت جميلتي فقد أنهكها اليوم و تريد العودة للمنزل

قررت مفاجأتها .. هي تعشق المفاجئات
سبقتها للمنزل مع باقة من الزهور
زجاجة من عطرها المفضل
وجبة كباب ساخن من الذي أعشقه

انتظرت طويلا بالمنزل علي عكس ما توقعت
اعتذرت حبيبتي عن العشاء لأنها تناولته مع صديقتها
لكنها عوضتني بقبلة جميلة عن العطر
و الزهور

أحب الكباب الساخن
حتي لو أكلته بمفردي

نظرت لساعتي فاذا بها تقترب من الثانية عشر
أين هؤلاء الشياطين حتي ذلك الوقت
التقطت هاتفي
أخبروني أنهم سيصلون فورا و أن الزحام هو السبب
وصلت سلمي بعد الثانية عشر بقليل
أما محمد فقد عاد في الواحدة
أحمد أحيانا يبيبت خارج المنزل
 بحكم عمله فلا أعلم متي سيأتي و متي سيذهب

مرت أسابيع و شهور علي ذلك الحال
بدأت أشعر أنني وحيد غريب وسط أسرتي
غريب هو ذلك الشعور

لم يعجبني تأخر الأبناء بالخارج
أو خروجهم الزائد الغير مبرر
نوادي رحلات سهرات أصدقاء صديقات

لم يعجبني خروج زوجتي المتكرر أيضا
صداقات عديدة و متشعبة
يوميا اما في النادي أو الجمعية أو عند صديقة

لم تعجبني مصروفاتهم الغير مبررة
مبالغ طائلة يطلبونها يوميا
بلا شك سأفلس في خلال أعوام ان استمر الحال

كانت سلمي علي وشك الخروج عند التاسعة مساء
حينما ناديتها و سألتها عن سبب خروجها
و كيف أن لبسها ينقصه بعض الحشمة

قبل أن أنتهي من سلمي كان محمد قد فتح الباب و خرج
لا أعلم ان كان سمعني أم لا حينما ناديته

أما سمر فقد كانت كعادتها في غاية الأناقة
حينما استوقفتها و سألتها عن سبب خروجها

الاجابة علي أسئلتي
جاءت متلازمة من كليهما
كصاعقة
.
.
و لماذا تسأل ؟؟؟؟؟؟؟؟

السبت، 25 أغسطس 2012

جودي بودي

انصرف لغرفته وحيدا 
علامات الحزن ظاهرة علي وجهه
ماذا به ؟

بعد قليل يخرج من غرفته
يأخذ التليفون
يتمدد علي الأريكة
لا يبالي بمن حوله من الضيوف الذين جائوا لوداعه
يضغط بضع أرقام

ايوه يا جودي .. أنا بودي
أنا مسافر بكره
لا ترد !!!

بقولك أنا مسافر بكرة يا جودي
أخيرا ترد جودي
بلاش تسافر يا بودي
خليك في مصر أحسن

انت مش عايزاني أسافر يا جودي
أنا كمان مش عايز أسافر .. بس غصب عني
ماما و بابا مسافرين و لازم أروح معاهم

أنا باحبك أوي يا جودي

انت كمان بتحبيني يا جودي

لم يسلم بودي من المضايقات
فانصرف غاضبا لغرفته مستكملا حديثه


مش بتردي ليه يا جودي
أنا بكلمك
انت ها توحشيني أوي يا جودي
بتحبيني يا جودي
انت بتعيطي يا جودي
أنا عارف اني هاوحشك أنا كمان

سألها أكثر من عشرين مرة ان كانت تحبه أم لا
و علي ما يبدو أنها لم تجبه
و أخيرا اضطرت جودي لانهاء الاتصال
علي ما يبدو أن أمها تريد التليفون

و علي ما يبدو أيضا
أن أسرة جودي مثل أسرة بودي

تعلم و لا تعترض علي قصة الحب الناشئة 
بين جودي و بودي

دق جرس الباب
مفاجأة
جودي و أمها
جاءا لوداع بودي و أسرته
هم جيران منذ زمن
لم يصدق بودي عينيه
فها هي أمامه .. جاءت لوداعه
لم يأبه بمن حوله اختطفها من يد أمها في فرحة غامرة
احتضنها بقوة
دار بها
سقط بها علي الأريكة
أصاب الجميع الصدمة
يا لجرأة هذا الفتي و هذه الفتاة
لا يبالون بكل هذا الحشد

و بدلا من الغضب
انفجر الجميع ضحكا
اذا كانوا بيعملوا كده و هم في كي جي ون
هايعملوا ايه لما يبقوا في ابتدائي

نظر بودي عميقا في عينيها
قائلا هاتوحشيني يا جودي

الجمعة، 24 أغسطس 2012

بيبة

دق جرس الباب
قمت علي عجل و فتحت
اذا بها تنطلق داخل البيت
و تقول كلماتها الجميلة ( أمو ... سره) تقصد عمو و سارة
زيارة خاطفة من حبيبة لمدة اسبوعين

تكهرب المنزل فجأة لقدوم بيبة
التليفزيون مثبت علي قنوات الأطفال و الرسوم الكرتونية
الألعاب و الحلوي متناثرة في كل مكان بالمنزل

بيبة لا تحب الأكل
لابد من اختراع تمثيلية أو لعبة يومية لحثها علي الأكل
تشير باصبعها الصغير( ل أمو) لكي يطعهما البيض المسلوق بنفسه
فيقطعها أمو قطع صغيرة لكي يسهل ابتلاعها
لأن بيبة لا تحب المضغ
الحمد لله أخيرا انتهت غزوة البيضة

بيبة تصرخ .. معركة شرسة مع أمها
بيبية تأكل الزبادي
و لأنها كريمة فلابد أن تطعم معها المقاعد و السجاد
لا يهم طالما أن المعركة نجحت في اطعام بيبة
بيبة تدرك فائدة الزبادي جيدا في عمل قناع (ماسك)  الوجه و الجسم
و لذلك فهي حريصة أن تصنع هذا القناع لنفسها و لأمها أثناء كل عملية تناول للزبادي

بيبة تصرخ ثانية من الحمام
لابد أن هذه هي معركة النظافة و الاستحمام
لازالة بقايا معركة الزبادي من شعرها و جسمها

الحمد لله
أخيرا خرجت بيبة من الحمام
و ارتدت الملابس النظيفة
و وضعت العطر
و هي تبتسم و تضحك و تناديني .. أمو

أشير اليها فتأتي مسرعة
و تقف بقدميها فوق قدمي و تطلب اللعب بقولها (بادا)
فهذه اللعبة كما أفهمتها اسمها بادية
فأرفعها عن الأرض بقدمي و أطلب منها أن تصفق
فتصفق و تضحك و تقول هيييههههه
فأهز أرجلي لتتأرجح عليهما فلا تشبع من اللعب

اختفت بيبية في هوء يثير الريبة
فقد ذهبت لغرفة النوم
تفتح الأدراج و تكتشف الكنوز
سلاسل .. أساور .. مكياج ... و أشياء أخري كثيرة
أحمدك يا رب

و لأنها تحب الزينة
وضعت علي عنقها كل السلاسل
و ارتدت في يدها كل الأساور
و وضعت ما استطاعت من ألوان علي وجهها
و لم يزعجها الا علبة كريم الشعر
علي ما يبدو لم يعجبها طعمها  فتركتها
و لأن بيبة تهوي ارتداء الأحذية ذات الكعب العالي
اختارت زوج من أحذية زوجتي أخذت تجوب به المنزل ذهابا و ايابا


لم أتمالك نفسي
سقطت مغشيا علي .. من الضحك
ليس من شكل حبيبة
و لكن لمنظرهلع زوجتي و أم حبيبة

أما حبيبة نفسها
فقد كانت لوحة فنية نادرة الوجود

انقضي الأسبوعين سريعا
غادرت حبيبة مع والديها
و عاد المنزل لهدوءه الشديد
يتمني لو أن لديه بيبة

أما بيبة فقد ظلت تستيقظ من نومها لتنادي
أمو .. سره .. أمو .. سره



الاثنين، 20 أغسطس 2012

مرحب بالعيد

في طريق  الكورنيش
الطريق مزدحم بشدة
السيارة لا تكاد تتحرك بضع أمتار حتي تتوقف
لا يهم
هكذا هو الحال دائما في الأعياد
كرنفال الألوان و الأزياء و الأضواء
و الضوضاء أيضا
لم يغضبني الزحام و لكنه لم يكن ممتعا بطبيعة الحال
رحت أتأمل فيما حولي و كأنني كاميرا
أحاول أن أرصد كل شيء
كل حركة
كل كلمة
لم يكن الأمر بالشيء الهين لكنني حاولت أن ألتقط صورة مجمعة للحدث

الأنوار تغطي واجهات المحلات
بنقسجي أزرق أحمر أصفر
علي شكل خيوط طويلة دقيقة جذابة
أو كتل كالورد
ياله من ابداع
كرنفال أضواء ملونة

يصاحبها موسيقي صاخبة من كل اتجاه
من المحلات .... من السيارت
من عربات الباعة الجائلين .... من المتوسيكلات
لفت نظري صوت أغنية صادرة من سيارة تسير بجواري خطوة بخطوة لبطء الطريق
مغني أجش الصوت كالباعة الجائلين علي أنغام موسيق صاخبة لا معني لها

لم تكن الكلمات تصلني بوضوح أثناء السير
توقعت أن تكون السيارة مليئة بالشباب
نظرت للسيارة فوجدت أسرة مصرية عادية من أربع أو 5 أفراد

توقف السير فجأة فأصبحت أسمع بعض كلمات الأغنية بشيء من الوضوح
لا أستطيع أن أقول أن هذه الكلمات خروج عن الذوق لأنها ببساطة خروج عن الأداب
عند احد مقاطع الأغنية انتفض الرجل كمن لدغه عقرب و نظر لزوجته و أوقف الأغنية
علي ما يبدو أنه أفاق أخيرا من غيبوبته

علي الجانب الأخر كنت أري السيارات تسير في الاتجاه العكسي بشيء من اليسر
أتاح لي مشاهدة العديد من الأسر
هذه السيارة مكتظة بالركاب بها أكثر من عشر أشخاص
و تلك بها شاب و خطيبته علي ما يبدو
سيارات جديدة ربما موديل السنة
و سيارات متهالكة ربما تعود للسبعينات

عند الدوار تتداخل السيارات مع بعضها من الاتجاهات الأربع
بحركة كماشة رائعة فيتوقف السير نهائيا
رجال المرور أخيرا تدخلوا و عاد السير البطيء من جديد

وصلنا لمقصدنا أخيرا و اتخذنا مقاعدنا علي الكورنيش
الباعة الجائلون يطوفون بالمكان
لعب أطفال .. بالونات .. ملابس .. تسالي .. زهور

نعم
هذه هي الرائحة التي أعشقها
لا أستطيع مقاومة رائحة الفل حينما تختلط برائحة القرنفل

أشتري عقدا من الفل و أضعه أمامي علي الطاولة

ومع نسمات البحر
و نغمات أغاني أم كلثوم الآتية من عربة الترمس

التي تتداخل مع صوت عبد الحليم عند بائع الفول السوداني
عدت لتأملاتي مرة أخري


أسر مصرية خالصة
امرأة منقبة ترتدي الزي الأسود الشهير تسير متأبطة ذراع زوجها الملتحي و بجوارهما طفلين
و تلك ارتدت الحجاب المصري العادي و تجلس ربما مع اخوتها أو قريباتها أو زوجها
و هذه رسمت حجابها بألوان رائعة متناغمة مع ملامح وجهها الملائكي الهادئ
تسير بخطوات كالأنغام بجوار خطيبها المتأنق
أخري بحجاب ليس بحجاب تسير هي الأخري مع شاب ربما خطيبها
تارة يضع يده علي كتفها  يكاد يحتضنها و تارة يحيط خصرها بذراعه
و بعضهن ارحن رؤوسهن
معظمهن اتفقن علي تغطية الرأس بأي شكل

المهم تغطية الرأس
أما باقي الجسم !!!! فلا يهم
ألوان و أشكال من البنطلونات ارتدتها الفتيات
المهم أن تكون ملتصقة بما يكفي للكشف عن أدق الأسرار

طوفان بشري يتحرك
الأولاد بداية من الثانية عشرة يعاكسون الفتيات
لا اعرف لماذا يسمح الأهالي بخروج بنات بمفردهن في مثل تلك الأيام
علي جانب أري أن أحد المعاكسين أصابه التوفيق مع احداهن

أسرح بخيالي لأتذكر أيام الصبا و الشباب
و كيف كنا نسير في نفس الطريق ذهابا و عودة عدة مرات علي مدار 4 ساعات و ربما أكثر من المشي دون تعب
كنا نهوي مشاهدة هذه الكرنفالات
و ربما كنا نتمني أن نقلد هؤلاء الفتيان لكن حيائنا منعنا
ربما لم تكن الفتيات مقبلات علي الحجاب مثل اليوم
لكن الأكيد أن لبسهن كان أكثر حشمة


أطفال يلعبون بالكرة .. بالدراجات .. بالمسدسات .. بالبالونات
يجرون .. يسقطون .. يبكون .. يضحكون .. يتشاجرون .. و يعودون للعب مرة أخري
يا له من عالم
ليتني لم أكبر

نعم هذا هو الشعب المصري بكل أطيافه
 المتدين منه و المحافظ و الفاسد أيضا

لم أنتبه كم مر من الوقت و أنا غارق في التأمل
فقد كان الهواء رطبا عليلا رغم كل شيء
لم أكن حقا راغبا في العودة للمنزل
الا بعد أن تناولت .......كيس فشار

السبت، 18 أغسطس 2012

محكمة


وقف علي باب القاعة
يسترق السمع
القاضي يسألها
ماذا تريدين
أريد الطلاق
لماذا
لأنه .. و لأنه .. و لأنه !!
القاضي  يتوجه  بالحديث الي الزوج
هل هذا صحيح
ليس الي ذلك الحد
هل لديك الاستعداد لتصلح أخطائك؟
نعم يا سيدي

كان الزوج مقشعرا
 يبدو كفأر في مصيدة
و قد ألقي عليه ماء بارد

مارأيك يا سيدتي
هو يقر بخطأه و علي استعداد لاصلاح حاله
لا
أنا أريد الطلاق
لا أريده بأي حال
لا أريد معاشرته مرة أخري

ماذا فعلت بها لكي تغضب كل هذا الغضب؟
الزوج لا يجيب
هل تراجعين نفسك يا سيدتي أم أن هذا قرارك النهائي؟

صمتتتتتتتتتتتتتت

من بعيد
نظر الي الزوج طويلا ... و دقق النظر
و تذكر أنه بعد قليل سيقف أمام قاض آخر
و ربما سيسأله نفس الأسئلة
هل من الممكن أن تردد زوجته للقاضي مثل تلك العبارات

و تقول انه لا يعطيني حقوقي الشرعية
أو لا يحسن معاشرتي
أو أنه لا يشبع رغباتي
أو شيء من هذا القبيل

لا لا
لابد أن لديها بعض الحياء لكيلا لا تفصح بتلك الكلمات

ماذا ستقول اذن
لابد أن تذكر شيئا قويا يجعل القاضي يتعاطف معها

اذن ستقول أنني أهينها
أو أضربها و مؤكد أنها أعدت شهود
يمكن أن تخبره اني بخيل و لا أنفق عليها

تعتريه حالة من الوجوم
لا يصدق ما يجري حوله

ماذا ستقول هذه المخبولة للقاضي
بماذا ستبرر طلبها للطلاق

مستحيل أن تكون بهذا الجنون
أو بهذه الجرائة و السفور

لا ليس بالمستحيل
ألم تقولها منذ أيام أمام أخاها و أباها
فلما لا تقولها أمام القاضي مرة أخري
مثل تلك المرأة في الغرفة المقابلة

نعم
 قالت لهم
و بأعلي صوت

أنا أريد الطلاق ... لأنه و لأنه
قالت  ...
و قالت و قالت و قالت

لم يكن لديها أي ذرة من حياء لتكشف أدق تفاصيل حياتهما الزوجية
انهارت القلعة الحصينة التي كان يعتقد أنها تحمي أسراره
انهار الميثاق الغليظ

هل كان بينهما ميثاق غليظ فعلا
هي أيضا  كانت
و كانت و كانت و كانت

يتذكر السنوات الطوال
كانت تسأله اذا كان راضيا بعلاقتهما
و بحياتهما معا أم لا
و كان دائما يجيب أنه راض

لماذا الآن تقول أنها لم تكن راضية
هل لأنها لم تكن راضية بالفعل

لم يسألها يوما ان كانت راضية
كما يقولون السكوت علامة الرضا
اذا لماذا كانت حريصة علي ارضائه ان لم تكن راضية

الأفكار تكاد تعصف بعقله
لا
كانت لها بعض الطلبات التي لم أكن ألبيها
لا
كنت أفعل ما بوسعي لارضائها
ليس هناك انسان كامل علي وجه الأرض
حتي و ان قصرت أحيانا
ربما قصرت كثيرا
لا أدري
يا الهي أعني علي الصبر
و الفهم

لا يستطيع الوصول الي اجابة


حتي لو لم تكن تشعر بالسعادة فعلا
لماذا كل هذه الثورة فجأة ؟
هل تأججت رغاباتها مرة واحدة الآن؟
هل من الممكن أن تضحي هكذا بالعشرة؟
و مستقبل الأولاد بسبب تلك الدقائق
 اللعينة أو الجميلة أو .... ماذا؟
ماذا أسميها الآن في هذا الموقف؟

لماذا لم تقدر الظروف التي نمر بها الآن
ألم نتعرض لبعض الظروف العصيبة عدة مرات من قبل
ألم أكن بحالة نفسية سيئة
بسبب و بسبب و بسبب

هل بالغت في عدم الاهتمام بها؟
هل كانت مشاعري جامدة لتلك الدرجة؟
التي جعلتها تثور لأنوثتها

هل احساس الانوثة عند المرأة من الممكن أن يصبح اعصارا مدمرا يجتاح الأخضر و اليابس
ربما لديها بعض الحق

لكن
لكنه حاول عدة مرات
و قبل أن يأتي هنا ليسأله القاضي

نعم اعترف بتقصيره أحيانا
سواء كان يقصد أو لا يقصد
و تعهد بالرعاية الكاملة

و حاول مرة بعد مرة
و سأل و استمع و قرأ و حاول مرة أخري
لكنها يبدو  أنها قد فقدت جهاز الاستقبال

كانت رسائله كلها تائهة
دون جدوي
لماذا تلك الصلابة
لماذا هذا التعنت في الرفض

أكان جرح الأنثي لديها عميقا لهذا الحد أن وصل لجهاز الاستقبال فعطله
أم؟
أم؟
أراد أن يحدثها للمرة الأخيرة قبل الدخول للقاضي
اتصل علي هاتفها لكن الخط كان مشغولا
كانت هي هناك علي الطرف الآخر للقاعة مشغولة بشئ ما
اقترب منها دون أن تلحظه
كانت متوترة الي حد كبير
تتحدث بصوت خافت

محكمة
دخل القاضي للجلسة و بدأ بسؤالها كالعادة
ماذا تريدين
قاطع هو القاضي وقال
رجاء سيدي لا تكمل
فقد جئنا لاثبات حالة طلاق

سأله القاضي بتعجب لماذا العجلة يا بني
قال
أدركت الآن يا سيدي أن جهاز الاستقبال ليس معطوبا
لكنه ......

مشغول باتصال آخر