الثلاثاء، 21 فبراير 2012

حادث


في نهاية الأسبوع
انتهي يوم العمل كما هي العادة في الثانية و النصف
ركبت السيارة و أدرت محركها و انطلقت
الي أين أذهب
الي المنزل؟
أين هذا المنزل
ليس لدي منزل

أنا الآن أقيم في مقر عملي الجديد
لقد وفروا لي غرفة مؤثثة بداخل المستشفي الذي أعمل به الي أن تنتهي اجراءات التعيين
و يبدأون في صرف الراتب و بدل السكن و ما الي ذلك
كانت لفتة طيبة منهم بلا شك
فأنا غريب عن هذا البلد
و أكاد لا أعرف أي انسان
أو أي مكان بها

بدأت أشعر بالضيق و الملل
من طول اقامتي بالمستشفي
و تعثرت أموري المادية بشدة بعد تأخر الراتب
كانت سيارتي هي المتنفس الوحيد لي

استقلها و أجوب المدينة البدائية
القابعة علي الخليج
ميزتها الوحيدة في نظري أن بها بحرا
أحب أن أنظر اليه
و أبحر في أفكاري و خواطري
ثم أفيق لأملاء صدري من هوائه
ليعود الهدوء الي نفسي

هل اهبط من السيارة و أعود لغرفتي
لالن أقضي اليوم هنا
قررت الذهاب الي البلدة المجاورة

رغم شعوري بالاجهاد
لم يكن أمامي الا الانطلاق

زيارة ربما تخفف عني هذا الشعور البغيض
لا أعرف كيف أصفه
هل هو الاكتئاب
ربما

هل السبب الوحدة
الغربة
الافلاس
عدم وجود سكن
أم ...أم ...أم
اللائحة كبيرة جدا جدا
من المنغصات

لماذا لا أستطيع الصبر
ألم تكن أيام الامتحانات عصيبة
ألم تكن أيام الجيش عصيبة

كنت أعتقد أنني أقوي من ذلك
كنت أعتقد أنني يمكنني أن أقاوم الي ما لا نهاية
أي ضغوط
مهما حدث

لا
علي ما يبدو أنني كنت مدللا

وصلت الي البلد الآخر
مر اليوم سريعا
و انتهت الزيارة
للأسف
لم يكن أمامي الا العودة الي المستشفي
انطلقت في طريقي بعد دخول الليل

كنت مجهدا للغاية
بدنيا و معنويا
كنت منفصلا تماما عن الواقع
غارقا في أفكاري
حاولت أن أشغل تفكيري بأي شئ
لتكن بعض الدروس الدينية

فوجئت بقاطع طريق
يعترض طريقي فجأة

حمار شارد
كان يقف علي جانب الطريق
مستتر بالظلام
و فجأةقرر عبور الطريق
حمار صحيح

لم يعطيني أي فرصة للتفكير
كان تصرفي تلقائيا
لا أستطيع أن أصدمه متعمدا
حاولت أن أتجنبه
تجنبته بالفعل
و لكن
.
.
كانت الحركة سريعة بما يكفي ليختل اتزان السيارة
و تنقلب لتزحف علي جانبها الأيمن
ثم علي ظهرها

لم أدري كم من الوقت مر علي و أنا في هذا الوضع
و السيارة تزحف علي ظهرها
هل هي ثوان
دقائق
أم أنها العمر بأكمله

ما أثقلها من لحظات

في تللك اللحظات القليلة
رأيت حياتي كلها
كلها

تماما كما يحدث في الأفلام العربي

لم أفقد الوعي لثانية واحدة

السيارة لا زالت تزحف علي ظهرها بسرعة
لا يمكنني السيطرة عليها
ماذا سيحدث الآن
هل ستصدمني سيارة أخري
هل سأرتطم ببناء
هل ستحترق السيارة

أيقنت أن الموت قادم الآن لا محالة
ربما بعد ثوان
ربما دقائق

ما أسوأ الموت غريبا

وحيدا

هل؟
هل؟
هل سألقي الله الآن؟

كيف سأجيب حينما يسألني عن عملي
كم أنا مثقل بالذنوب و الخطايا
لا أستطيع أن أذكر أعمالي الصالحة
ألم تكن لي أعمال صالحة في هذه الحياة
و ها أنا ذا أغادرها

لا يوجد لدي وقت لأزيد
هل أقول رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت

لا أدري وقتها كيف تحرك لساني
أشهد أن لا اله الا الله
كان لساني يتحرك بصعوبة شديدة جدا جدا
جدا
و كأنني أتعلم الكلامأ
و كأن لساني فجأة أصابه شلل

ما كدت أنهي قول لا اله الا الله
الا و توقفت السيارة عن الحركة

لا أدري كم مر من الوقت
و لكن هذه اللحظات كانت تساوي العمر بأكمله

وجدتني أتكوم فوق بعضي
زحفت
و خرجت من شباك السيارة المهشم
لأجلس علي جانب الطريق

فوجئت بكم هائل من الناس يحيطون بي
لا أعرف كيف أو متي جاءوا
سيارة الشرطة
الاسعاف
كلهم جاءوا في لحظات

لا أعرف كيف خرجت سليما
و لكني
خرجت
رفضت الذهاب للمستشفي

جاء الشرطي ليسألني عما حدث
أخبرته بالرواية كاملة

سألني سؤلا مفاجئا !!!!
و أين الحمار ؟؟؟؟

لم أستطيع الا أن
......

أنظر اليه
ثم
.
.
نظرت الي نفسي طويلا

انصرف الجميع
و بقيت
في ظلام الليل
علي بعد مئات الأميال من وطني
أبكي وحيدا

مع سيارتي المهشمة
بعدما أبعدوها عن نهر الطريق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق