أوشكت الأجازة علي الانتهاء
الشعور بالاكتئاب يبدأ قبل انتهاء الأجازة باسبوع عادة
و غالبا يكون اسبوع مشحون بالاستعداد للسفر
شراء هدايا لزملاء العمل
و كمان بعض المنتجات المصرية التي لا تتوفر بسهولة في الخليج
الكركدية و الخروب و الدوم
الجبنة الرومي القديمة و البسطرمة
الرنجة و الفسيخ
اللب بكل أنواعه (الأبيض و السوري والأسمر)
والجزء الأهم الورقيات
تجديد الأجازة
لأ دي بابدئها من أول اسبوع في الأجازة
تصريح السفر من القوات المسلحة !!!!!!
شاء القدر أن أخدم في الجيش كضابط احتياط
ضابط احتياط يعني أفضل احتياط لغاية سن 46 سنة
و كل ما أحب أسافر بره مصر لازم تصريح سفر
و لازم من شئون الضباط بالقاهرة
مشوار كئيب و كريه الي نفسي
كل سنة لازم أعمله
استقل اتوبيس السابعة صباحا المتجه للقاهرة
و غالبا لا أجد مقاعد فاضطر لاستخدام التاكسي
أصل لمحطة المرج
استقل المترو حتي حدائق القبة
ثم أمشي بين البنايات لمدة عشر دقائق
لأصل في النهاية لمبني شئون الضباط
أقدم جواز السفر مع طلب التصريح بالسفر
ثم أجلس في قاعة الانتظار حتي يتم الموافقة علي الطلب
القاعة مليئة بالضباط الاحتياط الراغبين في السفر
تجد أن منهم من شاب شعره
و منهم ......و منهم
لما يحتفظون بهؤلاء الكهول في كشوف الضباط الاحتياط
كيف تصور المسئولون الحمقي أن مثل هؤلاء الكهول يستطيعون الخدمة مرة أخري في صفوف القوات المسلحة
و لا ليهم غرض تاني غير معروف بالنسبة لنا
طيب أنا طبيب ممكن يستفيدوا بخبرتي في مجالي في حال استدعائي
لكن راجل محاسب كان ضابط احتياط في المشاة أو المدفعية أو ... أو
و وزنة أصبح 120 كيلو و شعره أبيض و كرشه متدلي متر أمامه
عايزين منه ايه
يمكن عايزينا أرقام علي الورق
ليه؟
بيضحكوا علي مين ؟؟؟؟
منه لله عقلي
تعبني من كتر التفكير
خليني قاعد ساكت أحسن
زي كل سنة وسط الناس منتظر التصريح
مفيش أخبار عن انهاء خدمتنا في الاحتياط
سألني أحد الأشخاص ممن جاءوا لطلب تصريح السفر
بيقولوا لما تكمل 46 سنة
هو حضرتك دفعة كام
أنا دفعة *** و حضرتك؟
انت نفس دفعتي
فعلا شكلك مش غريب علي
أصلي كنت مساعد الكتيبة التالتة
أهلا و سهلا
أنا د.ابراهيم مدرس بكلية الطب
أهلا . أنا د.أشرف .... أخصائي أطفال من الزقازيق
و حاليا أعمل في السعودية
و انطلق دكتور أشرف يحكي لي قصة حياته دون مقدمات
أنا اصلي عملت كل حاجة في الدنيا كتير
مخليتش حاجة معملتهاش
ازاي يعني يا دكتور أشرف
بصراحة أثار فضولي
أنا سافرت كتير و اشتغلت في بلاد كتير
و خطبت كتير و اتجوزت كتير
و و و و
بصراحة الراجل هون علي و وقت الانتظار
نموذج جديد جدا
كيف يحكي تفاصيل حياته بهذه الطريقة لشخص يلتقيه لأول مرة
استلمنا تصاريح السفر
و خرجنا في نفس الاتجاه
المترو
و استمر د أشرف في رواية قصة حياته
أنا في الأول اتجوزت دكتورة و كانت حامل
راحت زارت أهلها من ورايا
أهلها في بلد تانية علي بعد ساعة كاملة
ما احنا كنا لسه عندهم من يومين
طيب ليه مش قالتلي انها عايزة تروح
و علشان الحظ حصلها اجهاض في السفرية دي
عملت معاها الواجب وديتها أحسن مستشفي
عملت العملية
و بعدين طلقتها
الست اللي تعمل كده تبقي مش بتحترم جوزها و مش تنفع
ايه بس العنف ده
بالراحة يا دكتور اشرف
طيب ليه مش اتكلمت معاها و مش عاتبتها
طلاق كده مرة واحدة
بص يا دكتور ابراهيم الست اللي تسكتبر و تحس نفسها كتير علي جوزها
أو اللي عايزة تمشي بدماغها
مش تنفع تعمر بيت من الآخر
كلام وجيه يا دكتور أشرف و الله
و اخذ أشرف يعدد مشاكل خطوباته المتعددة
و غالبا هناك سبب مادي
استغلال أو ما شابه
و حوادث النصب المتعددة التي تعرض لها في مصر
و تعرض في احدي المرات لمحاولة قتل بسبب الفلوس
من الناس اللي بيحاولوا يسرقوه أو ينصبوا عليه
و ساب كل حاجة و هرب بجلده
و أخيرا
اخواته نصبوا عليه
!!!!!
جامدة أوي دي
ازاي أخ ينصب علي أخوه أو يسرقه
أن عندي الموت أهون من ان الأخ ... مش معقول يا أشرف
أكيد فيه حاجة غلط
و عموما يا دكتور أشرف علشان ماتزعلش
شوف قصص الأنبياء تجد فيها العبرة
سيدنا لوط و زوحته
سيدنا نوح و ابنه
سيدنا ابراهيم و أبيه
سيدنا يوسف و اخوته
قابيل و هابيل
يعني الايذاء ممكن ييجي من أقرب الناس
احمد ربنا انهم لم يقتلوك
و تذكر قول سيدنا يوسف
لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم
افترقنا في منتصف الطريق لقضاء بعض الأمور
لكن القدر كان له رأي آخر
التقيته مرة أخري علي رصيف المترو
ليتواصل الحوار
د.أشرف وصل لقرار
آخر مرة نزل فيها مصر كانت من حوالي 4 سنوات
المرة دي هايسافر و مش راجع تاني مصر قبل عشر سنوات
ده لو رجع تاني مصر من الأصل
يمكن يقعد بره مصر لغاية لما يموت
مش عايز يشوف البلد دي تاني
ليه بس يا دكتور أشرف
صلي علي النبي كده و اهدأ
مش بقولك اخواتي نصبوا علي
اللي بيلاقي فرصة يسرقك مش بيتردد
كل واحد بينصب علي التاني
و كنت مرة هاتقتل لولا ستر ربنا
غير كرامتنا للي متهانة
و حقوقنا اللي ضايعة
و ..و.. و
أرجع ليه؟
تذكرت مقولة لأحد الزملاء من الصعيد
حيث الرجولة و الشهامة و كل الصفات الحلوة
حينما عاد من احدي الاجازات من مصر
سألته مصر عاملة ايه يا دكتور عبد ......
قالي مصر زي طابور العيش
وكل واحد حاطط ايده في جيب اللي أدامه (أمامه)
مش عارف أقول ايه لأشرف
أشعر في كلامه بالصدق و المعاناة التي عاشها
و حينما أقارن بين كلامه و بين ما أسمع
أقول أنه ربما محق في كلامه
لكن عصبيته و قرارته العنيفة ربما تكون أيضا سبب في مشاكله
أشفقت عليه جدا
لأن ذلك الاحساس الذي يمر به احساس مرير جدا بالفعل
الاحساس بالغربة شئ سئ
لكن الأسوأ أن تشعر بالغربة في وطنك
أو بين أهلك
قلت له يمكن تكون انسان سئ الحظ
لكن الأكيد ان مصر مش كلها كده
و أكيد فيه ناس طيبين
الناس هم انت و أنا
و زوجتك و أولادك
و أهلك و جيرانك و أصحابك و زملائك
لو واحد منهم سئ
أكيد الباقي مش كده
كنت قد قررت الذهاب للمجلس الأعلي للجامعات بجامعة القاهرة
و بالتالي فلابد من تغيير المترو في رمسيس أو التحرير
انطلق بنا المترو
و استمر الحوار عن مرشحي الرئاسة و الأوضاع السياسية
المثير في الأمر أن تجد الناس من حولك يشاركوك الحوار
ناس لا أعرفهم و لا يعرفونني
و أصبح الدكتور أشرف الذي تعرفت عليه منذ ساعة أقدم أصدقائي
ما تخرج به أن الكل مهموم بقضايا البلد
الكل يترقب
قلق
يتمني
ياسلام لو البرادعي بقي رئيس
لأ احنا عايزين دولة اسلامية نطبق فيها شرع ربنا
البرادعي ده علماني
يا عم انتم مش فاهمين حاجة الموضوع كبير و السياسة لها ناسها
و الاخوان فاهمين في السياسة لأنهم بيمارسوها من زمان
و برضه دول ناس متدينين
لأ الوفد
لأ عمرو حمزاي
لأ
لأ
لأ
لأ
أحسست بالدوار
هو أنا في المترو و لا علي الفيسبوكية
النت دخل علي الواقع و لا الواقع دخل في النت
أخيرا فهمت
هو ده الماتريكس
أفقت من هلاوسي لأجد أنني اقتربت من محطة نزولي
نحن الآن في محطة !!!
محطة !!!
محطة الشهداء
سبحان الله
تغير اسم المحطة
تم ازالة اسم مبارك من كل مكان
يستاهل
لماذا لانسميها التحرير
لماذا يجب أن يكون الاسم تحت الأرض غير الاسم فوق الأرض
علي ما يبدو أنني سأعود لهلاوسي مرة أخري
نزلنا من المترو أنا و رفيق رحلتي الدكتور أشرف
و لا يزال الحوار متصل
شاهدنا مشاجرة علي أحد أبواب المترو
غالبا بسبب تدافع الركاب للهبوط و الصعود للمترو
المهم أن أبواب المترو - حماها الله - فضت المشاجرة
حينما عزلت الطرفين
و انطلق القطار بأحدهما بينما بقي الآخر علي الرصيف
أخيرا وجد أشرف ضالته في هذه المشاجرة ليثبت صحة كلامه
كانت له طوق النجاة
و تأكيد له بصحة قراره أنه لا عودة مرة أخري
شايف الناس بتعمل ايه
شايف قلة الأدب و تقولي أرجع تاني
مستحيل
كنت كلاعب البلاي استيشن الذي أوشك علي انهاء الجيم و الفوز
و فجأة تعثر شخص ما و فصل الكهرباء و أفسد عليك الجيم و لازم يبدأ من الأول
لكن كيف أبدأ مرة أخري و نحن علي وشك الافتراق
نظرت من حولي باحثا عن طوق نجاة أنا أيضا
و أخيرا وجدته
قلت له انظر من حولك
نظرت الي الأفق
هل تري هؤلاء الآلاف من البشر
قال نعم
قلت له لماذا تنظر الي اثنان يتشاجران و لا تنظر لهؤلاء الآلاف
هؤلاء هم الأغلبية
هؤلاء هم أنا و أنت
هم من حدثتك عنهم
هم الناس الطيبين الذين يجب أن تعود من أجلهم يوما ما
اذا أردت أن تعرف قيمة هذا الوطن
اسأل من ليس له وطن
اسأل فلسطينيا من زملائك في الغربة
ستتمني أن تقبل تراب هذا البلد
يا عزيزي أشرف
برغم كل الجراح التي قابلناها
و سنقابلها في هذا الوطن
فليس أمامنا الا أن !!!!!!
نحبه
و أن نعلم أولادنا أن يحبوه
لكي يشعروا أن لديهم وطن
و أنا في غربتي
حينما ينشد أولادي .. عاش اتحاد امارتنا
أشعر بالغيرة الشديدة
فأردد أنا و يرددون خلفي
بلادي بلادي بلادي
لك حبي و فؤادي
مصر يا أم البلاد .. أنتي غايتي و المراد
و علي كل العباد .. كم لنيلك من أيادي
هذه الأرض طيبة
حب مصر و علم أولادك أن يحبوها
كانت هذه آخر كلماتي معه
و كانت نظرات الرضا
علي ما بدا لي بدأت تظهر في عيون د. أشرف
حينما افترقنا نهائيا علي أرض محطة الشهداء
كان الدكتور أشرف رحلة مثيرة جدا بالنسبة لي
فكرت فيها كثيرا كثيرا
انطلقت بعدها لأستقل المترو المتجه لجامعة القاهرة
وقفت انتظر
بعد قليل وصل المترو
لم أركب .. تركته يرحل
كيف لي أن أرحل دون أن أصعد لأري ميدان التحرير
أري موقع الشهداء
أري رمز الثورة
وجدتني أجلس علي أحد المقاعد
أتأمل في المحطة و في وجوه المارة
يوجد تماثيل فرعونية في صناديق زجاجية بمحطة المترو
هل هي حقيقية أم تقليد
اذا كانت تقليد فلماذا يضعونها في صناديق زجاجية
و اذا كانت حقيقة فهل هذا مكان مناسب لوضع تلك الآثار
و هل هي هكذا بمأمن من السرقة
ها أنا ذا أعود لهلاوسي مرة أخري
أريد أن أصعد لأعلي الميدان
للمرة الثانية أرفض أن أكون سائحا في بلدي
لن ألتقط الصور التذكارية في الميدان
ما هو شكل الميدان الآن؟
لا أعتقد أن صورته الآن
هي نفس الصورة المهيبة في مخيلتي من أيام الثورة
لابد أن الوضع هادئ الآن
لا أريد أن أري هذه الصورة
أن أحب أن أحتفظ بصورته الجميلة في مخيلتي
لا أريد أن أعلو ميدان التحرير
فمكانه و مكانته فوق رأسي
و لا أريد أن أنظر الي الناس من الأعلي في مشهد رأسي
أنا أريد أن أكون بينهم
فرد منهم
فقد عشقت رؤيتهم يملأون الأفق
في مشهد أفقي من أسفل ميدان التحرير
انتهت