منذ انهيت دراستي الثانوية و التحقت بالجامعة ... و الي الآن ... أصبح طريق بورسعيد الاسماعيلية و بالعكس أحد أهم الطرق في حياتي .. قطعته آلاف المرات .. قضيت عليه آلاف الساعات .. آلاف الحوارات و الذكريات .. و الأغنيات و الأمنيات ... عشقت مشهد القناة و مياهها المتلألة تحت ضوء الشمس .. و السفن المارة بها و هي تسير بجوارنا .. نسبقها .. و نلحق بالقطار يعدوا موازيا للقناة .. و نسبقه ايضا ..
كثيرا ما تأملت تلك الهضاب و التلال الرملية المنتشرة بكثافة علي الشاطيء الغربي بطول خط القناة .. و علم مصر بألوانه المطبوعة في وجداننا .. يرفرف فوقها .. أستحضر في مخيلتي أيام حرب الاستنزاف و أتخيل جنودنا مرابطون خلف تلك التلال .. و كيف يعلون و يعلون .. ليراقبون العدو علي الشاطيء الآخر للقناة.
كنت أري بعض المدافع و المدرعات ترابط خلف التلال .. و لا تزال فوهتها باتجاه الشرق .. باتجاه القناة ... تعلن أنها لازالت علي العهد .. علي استعداد لرد أي عدوان .. علي استعداد لمنحنا مزيدا من المجد .. كنت أشعر بفخر كبير.. و أترقب يوما أرتدي فيه الزي العسكري .. و أدندن خلي السلاح صاحي .. و حلوة بلادي السمرا ...
سنواااااااااااات طوال مرت
كان المشهد يتآكل رويدا رويدا .. و الصورة تبهت أكثر و أكثر .. حتي اختفت تقريبا كل معالمها .. اختفت المدافع و المدرعات .. تآكلت التلال و الهضاب .. فلم يبقي منها شيئا تقريبا .. اختفت الأشياء الجميلة التي كنت أعتبرها رمزا لصمود و كفاح أمة أنتمي اليها بكل وجداني ..
اليوم و بعد ما يقرب من ثلاثون عاما
لازلت أمر بنفس الطريق .. لا أستطيع مشاهدة مياه القناة بسبب السور الجديد .. أري السفن بصعوبة .. أبحث عن التلال و الهضاب و المدرعات ... أخيرا عادت .. الدبابات تصطف علي نفس الجانب الغربي للقناة .. خلف تلال و كثبان رملية .. و كما كانت دوما علي أهبة الاستعداد .. الفرق أن أعدادها أكبر بكثير ... و فوهاتها باتجاه الغرب .. نعم باتجاه الطريق .
.أردت التقاط صورة لها .. شعرت لأول مرة بالخوف .. كانت غصة بالحلق .. وخزة بالصدر .. أخذت أدندن .. يا بلدنا يا بلد .. هو من امتي الولد .. بيخاف من أمه ... لما تضمه